الشرق والغرب

من منا لا يتذكر رواية مارغريت ميتشل الشهيرة "ذهب مع الريح" التي عُرضت على الشاشة عام 1939. يروي هذا العمل المثير للإعجاب من الناحية الجمالية، على خلفية الحرب الأهلية، انهيار أسلوب الحياة و"القيم" التي يدعو إليها الجنوب الأبيض والعنصري الذي يملك العبيد.

 

فيدال كاسترو في وهران

مقال للأكاديمي الجزائري ، الدكتور أحمد بن سعادة

 

ترجمة: خ. غوالم الروينة آنفو

 

 

 

إضغط على الصورة لقرأة المقال

 


 

اللغات الاخرى

Autres langues

 

En français

En español

In italiano


 

في يوم مشرق جميل  من شهر ماي 1972 و سماء زرقاء  صافية تزينها  سحب ناصعة كأنها أكوام قطن نقشت على هذا الأفق  لتعكس  بإحكام ربيع  الباهية وهـران ،  فقط كان ينقص المثلث الأحمر والنجم المنفرد « Estrella Solitaria »  ليعكس راية بلد هذا الضيف العزيز ،

فيدال كاسترو بوهران -ماي 1972

فيدال كاسترو بوهران -ماي 1972

الطقس لم يجاري  الجماهير في نشوتها وإن كان الضيف جدير بذلك

وهران عاصمة الغرب الجزائري  لم يسبق لها استقبال شخصيات بهذا القدر ، وفي هذا اليوم بعد عقد من استقلال الجزائر الضيف كان رمزا إنه فيـدال كاسترو شخصيا.

 

« Líder Máximo»  الزعيم  الكبير   ، رفيق الشي ، « barbudo » صاحب اللحية  الشهير ، متمرد جبال سييرا مايسترا ، بطل خليج الخنازير ، « El Comandante »  القائد ، كان هذا اليومبوهـران.

بسنواتي الأربعة عشر، أصبت برهبة ، وبدون عناء استطعت التسلل بين هذا الجمع الغفير المتكون من عشرات الألاف من الناس  الذين تجمعوا  في هذه الساحة التي احتضنت هذا الحدث التاريحي

فيدال كاسترو وبومدين في شوارع وهران



الشخص الذي تحدى أكبر قوة في العالم انطلاقا من جزيرته الصغيرة  الواقعة ببحر الكاريبي وتبعد عن الشواطئ الأمريكية بكيلومترات معدودة، هذا الشخص كان هنا  أمامي  وبقول عاطفي مجرد من التمثيل بدأ خطابه:

« Querido compañero Houari Boumediene ;

Queridos camaradas dirigentes del FLN y del Gobierno Argelino ;

Queridos amigos de Orán » [1]

الرفيق العزيز هـواري بومدين ،   أعزائي الرفاق في جبهة التحرير وفي الحكومة الجزائرية ، أصدقائي الأعـزاء في وهران

استهل القائد خطابه  بالاسبانية فنقلتها  مكبرات الصوت  فكان لها وقع خاص في هذه الساحة الكبيرة  . وكبف لا وأنت لو رفعت   رأسك لتنظر ناحية  الغرب فسترى   الحصن المشهور  سانتا كروز يـُطل على المدينة ومرتفعا بفخامة على قمة  سلسلة المرجاجو

مشرفا على مدينة وهران - حصن سانتا كـروز

مشرفا على مدينة وهران – حصن سانتا كـروز

هذا الصرح الشامخ  الذي تم تشييده  ما بين 1577 و 1604 يعتبر من الشواهد الأساسية للاحتلال الاسباني للمدينة خلال 3 قرون تقريبا 1509- 1792 .
وهران أكثر مدن  الجزائر التي احتفظت بالطابع الاسباني ولا تزال  في لهجتها بصمات في الأطباق والكلمات   التي تشهد على هذا الوجود الذي لم ينتهي فعليا الا باستقلال الجزائر سنة 1962

 

وأنا الذي  كبرت في الحي القديم  Scalera

(escalera     أي السلم بالاسبانية )  أعرف ذلك.

في وهران التين الشوكي  يدعى  « chumbo »،    ماء جافيل « lejía »,    الخزانة « armario »  و

« la paëlla »  و « calentita »  هي أطباق وهرانية بامتياز .

من مصادفات  التاريخ أن اسبانيا احتلت وهران وكــوبا تقريبا في نفس الفترة ، وبالفعل فان الفاتح دييغو فالاكاز Diego Velázquez de Cuéllar  احتل كوبا في 1511 وبـنى  هافانا في 1554 ، مصادفة أخرى ، فان الشعبين الكوبي والجزائري انتزعا حريتهما في نفس الفترة مع فارق سنوات قليلة ، كـوبا 1959 ، الجزائر 1962

ثم يواصل القائد خطابه في أحسن ما يكون :

نحن معكم اليوم لسبب بسيط ، لأنه في الجزائر حدثت ثورة وفي كـوبا حدثت ثورة  […]. […] ، كل اشتباك ، كل معركة ، كل عمل من نضال الشعب الجزائري تابعه شعبنا يوميا، النضال البطولي ضد جيش الاحتلال الفرنسي ، عزيمة الشعب الجزائري و وطنيته  ولدت حماس وتعاطف قويين  في بلدنا.

لم يكن فيدال يبالغ بخصوص  مساندة  الشعب الكوبي للثورة الجزائرية  ونضاله البطولي ضد الاستعمار الفرنسي ، فما بين سنتي 1956 و 1957 أكثر من 20 مقال عن ثورة التحرير الجزائرية نشرتهم  Bohemia ، صحيفة المعارضة الكوبية ضد الديكتاتور باتيستا ،

مرفقة بالصور كانت المقالات  تبرز بشكل جيد  ثورة التحرير الجزائرية  و ما تحققه  العمليات العسكرية للأفلان  ( حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري )  من انتصارات ، كما تصور التعذيب الممارس من قبل الفرنسيين[3]  كانت العناوين بليغة  : «Lágrimas, terror y sangre en Argelia » دمــوع ، وحشية ودماء تسيل في الجزائر ، بــوهيميا 14 أفريل 1957 ، أو  « ¡ Asi es la guerra en Argelia ! » ، هكذا هي الحرب في الجزائر ، بوهيميا 07 جويلية 1957

إن كان فيدال بتواضعه لم يصرح علنا، فان مساندة  الشعب الكوبي لم تكن مجرد شعارات بروتوكولية بين وطنين تفصلهما ألاف الكيلومترات ، وكذلك اللغة ، الدين ، الجغرافيا والثقافة ،  فان فيدال وكـوبا ساعدوا بالفعل الجزائر لتحتل مكانة بين الأمم ، ولنيل استقلالها والمحافظة على وحدة أراضيها وتوفير العلاج لشعبها.

أضاف فـيدال:

في تلك الحقبة لم يكن أحدا يتصور لقاءا كهذا ، المساندة كانت من نوع آخر ، ما الذي يمكن فعله لدعم النضال الجزائري، القضية الجزائرية، ما الذي يمكن فعله لدعم  الشعب الجزائري ؟ .

لم تبقى هذه التساؤلات دون أفق، بل بالعكس فحسب جيرالدو مازولا  Giraldo Mazola سفير كوبا الأسبق بالجزائر 1974 – 1978 فقد تم  استقبال وفد من الحكومة الجزائرية المؤقتة بداية 1960 من طرف السلطات الكوبية ، وفي 27 جوان 1961 أي بعد شهريا فقط من انزال خليج الخنازير ( أفريل 1961 ) ، كوبا تعترف بالحكومة الجزائرية في المنفى ، ولم يكن هذا بالأمر الهين بتاتا، فكوبا هي الدولة الأولى في المعسكر الغربي من قام بهذا ، مما عرضها  لإجراءات إنتقامية  من طرف الحكومة الفرنسية [4].

 

 

جورج ريكاردو ماسيتي برفقة الشــي

جورج ريكاردو ماسيتي برفقة الشــي

إن دعم القضية الجزائرية أثناء الثورة لم يتوقف عند هذا الحد ، ففي نهاية أكتوبر 1961 ، أرسل فيدال كاسترو  مبعوثا وهو الصحفي الأرجنتيني الشاب  جورج ريكاردو ماسيتي      Jorge Ricardo Masetti   ليلتقي الثوار الجزائريين بتونس  وتسجيل احتياجاتهم ، التقى ماسيتي قادة الأفلان من بينهم بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة

 

 

 

شهرين بعد ذلك  السفينة الكوبية الباهية  Bahia de Nipe  تغادر  هافانا  باتجاه  الدار البيضاء بالمغرب محملة بـ 1500 بندقية، أكثر من 30 رشاش و 4 مدافع من صنع  أمريكي ، وتم نقل الحمولة لمعسكر الأفلان بضواحي مدينة وجدة على الحدود الجزائرية، واعتبر هذا أول مساعدة عسكرية كوبية لافريقيا ،

وفي عودتها سفينة الباهية تنقل على متنها 76 جندي مصاب و 20 طفلا جزائريا قدموا  من مراكز اللجوء أغلبهم من الأيتام
كما يبين الأستاذ بييرو قليزيس Piero Gleijeses  فان مساعدة كوبا للجزائر لا علاقة لها بالصراع القائم بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، فجذورها أبعد من انتصار كاسـترو  سنة 1959 ، فهي نابعة من التوجه العام السائد لدى الكوبيين في مساندتهم لنضال الشعب الجزائري  [5].

دعم الشعب الكوبي لم يتوقف  عندما نالت الجزائر استقلالها سنة 1962 ، فقد تواصل وبالخصوص في ما يعرف  بـحـرب الرمـال……