المنظّمات غير الحكوميّة هي «أحصنة طروادة»



ما رأيناه في لبنان عام 2015 نراه اليوم في الحراك الجزائري


أدّى صدور كتاب الباحث والكاتب الجزائري أحمد بن سعادة، «من هؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم قادة للحراك الجزائري؟»، عن دار «منشورات التحالف الدولي للناشرين المستقلين» (أبيك)، إلى اندلاع سجال حاد في الصحف المحلية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وتعرّض ناشره لاعتداء في منزله. يكشف الكتاب هوية الأطراف التي حاولت توظيف الاحتجاجات في الجزائر لمصلحتها ولمصلحة قوى خارجية، ما أثار سلسلة من الاتهامات ضد بن سعادة. المؤلف، المتهم بالعمالة للنظام والسعي لنزع الشرعية عن الحراك، يرى أن ردود الفعل المسعورة، من قبل صحافيين لم يقرأوا الكتاب، تعكس بؤس المنظومة الإعلامية الجزائرية، وعدم التزامها بمعايير النزاهة والشفافية والأمانة المهنية، التي يفترض أن تكون ضمن المنظومة القيمية للمنادين بجزائر جديدة

 

«تم إسباغ نوع من القداسة على الحراك منذ انطلاقته، وأيّ نقد له صنّف على أنه ضرب من ضروب الهرطقة. اعتقدت أن كتابي سيكون مناسبة لحوار جدّي حول الحراك ومكوناته المختلفة، لكن التهجم الشخصي عليّ تصاعد وشوّش على أي مبادرة في هذا الاتجاه. هذا أسلوب قديم: التشكيك بالمؤلف لوأد أي حوار في المهد»، يقول الكاتب والباحث الجزائري أحمد بن سعادة. هو يأسف لما يعتبره مزيجاً من تقديس الحراك ومن تحليل مغفّل له، على الرغم من التطورات الدموية الكارثية التي شهدها الشرق الأوسط منذ 2011.

يندرج الكتاب ضمن سلسلة التحقيقات التي يقوم بها بن سعادة عن الترسانة الأميركية لتصدير «الديموقراطية» عبر العالم، مع التركيز على دور المنظمات غير الحكومية، وهو يأتي رداً على تصريح لعالم الاجتماع لهواري عدي. فبعد حوالى شهر على اندلاع الحراك، دعا الأخير إلى استقالة رئيس الجمهورية ولإحلال لجنة ثلاثية تضمّ مصطفى بوشاشي وزبيدة عسول وكريم طبو في مكانه، للقيام بمهمات الرئاسة.

وكان يفترض أن هذه اللجنة ستكلف بتشكيل حكومة انتقالية لإدارة الشؤون الجارية والإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية في فترة تتراوح بين الـ 6 إلى 12 شهراً. «من المستغرب أن يتم اقتراح قيادة ثلاثية، لحراك كان يزعم أنه بلا قيادة، بهذه السرعة. ما هي المعايير التي اعتمدت لاختيار هؤلاء الأشخاص؟ هل نظمت استطلاعات للرأي؟ هل كان هؤلاء يعرفون بعضهم بعضاً قبل الحراك؟ ما هي الصلاحيات التي تخوّل السيد عدي انتقاء بعض الأسماء وطرحها؟ تجنبت عمداً تناول شخص السيد عبو لأنه معتقل وسيحاكم، لكنني حاولت أن أفهم المشتركات التي تجمع بين هؤلاء الأشخاص. وقد توصلت إلى اثنين منهم: أوّلاً، ارتباطهم بمؤسسات أميركية وصلاتهم الحميمة مع ممثلين عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلّة. وقد أوردت في الكتاب العديد من المراجع والوثائق الخاصة بهذا الشأن»، وفقاً لبن سعادة، الذي قد يتعرّض للملاحقة القضائية. فقد أعلن لهواري عدي، في مقابلة مع موقع «ريبورتير»، أنه سيدّعي «على الكاتب ودار النشر عندما تصبح الظروف السياسية في البلاد أكثر وضوحاً». من جهته، يصر أحمد بن سعادة على أن كتابه ليس مرافعة ضد أشخاص وأن هدفه هو إظهار الأدوات العديدة المستخدمة من قبل هيئات رسمية أميركية، والتي تمكّنها من التحكّم بالتحركات الشعبية عند اندلاعها. «لم تخترع هذه الهيئات الحراك أو غيره من احتجاجات الشارع العربي. هي نتاج للمشاكل الاجتماعية الفعلية. ولكن، ومع انطلاق الاحتجاجات، تتحرك المجموعات المدربة على النضال اللاعنفي وعلى النشاط السيبراني لمحاولة توجيهها أيديولوجياً، مع تغطية إعلامية متواطئة. عند ذاك، تتحرك الأجندات الأجنبية إلى السعي لاستغلالها».
يجزم بن سعادة بأنّ المنظّمات غير الحكومية المحلية المموّلة، والتي تدرّب عناصرها من قبل مؤسسات الترسانة الأميركية لتصدير «الديموقراطية»، هي «أحصنة طروادة» يمكن تحريكها في التوقيت المطلوب. تضم الترسانة المشار إليها إضافة إلى «الوقفية الوطنية للديموقراطية» وأدواتها الأربع، «المعهد الوطني للديموقراطية» و«المعهد الجمهوري الدولي» و«مركز التضامن» و«مركز المبادرة الفردية الدولي»، «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» و«فريدوم هاوس»، و«مبادرة الشراكة الشرق أوسطية» و«مشروع الديموقراطية في الشرق الأوسط» و«مؤسسة المجتمع المفتوح» لصاحبها جورج سوروس.
يشير بن سعادة إلى أوجه شبه كثيرة بين الحراك الجزائري في 2019 والتحركات التي شهدها لبنان عام 2015: «ما رأيناه في لبنان من دور لمنظمات غير حكومية مموّلة من هيئات أميركية، ومن صلات وثيقة بين بعض الناشطين والسفارة الأميركية، ومن إبراز لرموز معيّنة من قبل وسائل إعلامية متواطئة، ومن استخدام لأساليب النضال اللاعنفي، المعمّمة من قبل مجموعة كانفاس الصربية، وللتكنولوجيات الحديثة، نراه اليوم في الحراك الجزائري». وكان بن سعادة قد نشر مقالاً تفصيلياً في نيسان 2019 عن التكتيكات الاحتجاجية المتبعة في الجزائر، والتي تمثّل تطبيقاً حرفياً لتوصيات دليل عمل وزعته «كانفاس»، يتضمّن عرضاً لـ 199 أسلوباً وتكتيكاً من النضال اللاعنفي. هو مقتنع بأن قدرة اللجوء إلى هذه الأساليب بنجاح ترتبط بتدريب مسبق عليها، غير أن مؤشرات أخرى تدل بنظره على وجود مخطط خارجي لزعزعة استقرار الجزائر. «مطالب الحراك تصاعدت تدريجياً من جمعة لأخرى، حتى بعد إزاحة الرئيس بوتفليقة، والتي كانت المطلب الأصلي.
المطلوب اليوم منع تمويل المنظّمات غير الحكوميّة المرتبطة بمصالح خارجيّة

ظهر بعدها نهجان: الأوّل دستوري، يطرح تنظيم انتخابات رئاسية والثاني يطالب بمرحلة انتقالية. وقد حل في مكان شعار "الجيش والشعب إخوة" شعار "دولة مدنية لا عسكرية". وبعد الانتخابات الرئاسية في كانون الأول 2019، أضحى الموقفان متناقضين تماماً. ما أثار انتباهي هو أن المنظمات غير الحكومية المموّلة أميركياً والمشاركة في الحراك دافعت جميعها عن مطلب المرحلة الانتقالية. احتل أصحاب هذا الرأي شاشات القنوات الفضائية الأجنبية، وخاصة الفرنسية، وقناة المغاربية، القريبة من جبهة الإنقاذ المنحلّة». لم تتح الفرصة لأنصار الانتخابات الرئاسية للتعبير عن رأيهم في وسائل الإعلام، ما يعكس بالنسبة إلى بن سعادة رغبة في تغذية مناخ عدائي مع المؤسسة العسكرية يمهّد لزعزعة استقرار البلاد.
لقد بات من المطلوب اليوم، برأيه، منع تمويل المنظّمات غير الحكومية المرتبطة بمصالح خارجية كما حصل في روسيا ومصر والهند وفنزويلا. لكن هذا الخيار ليس محط إجماع، وخاصة بين المؤيدين بلا شروط للحراك، الذين يتّهمون بن سعادة بتبني نظرية المؤامرة. «مسألة التدخل الخارجي جرى التطرّق إليها مراراً، وتعدّدت الإجابات حولها. هناك من اعتبر أن التعاون مع قوة أجنبية للتخلص من النظام القائم هو أمر لا بد منه، مهما كان الثمن الذي سيدفع في ما بعد. بعض آخر، مدفوع بمثالية مفرطة، يقبل بالتدخل الأجنبي شرط الحد من تداعياته. هذا ما يعتقده مثلاً الناشط السيبراني التونسي سليم عمامو، الذي اعترف بتلقّي دعم أميركي ولكن دون شروط ملزمة بالنسبة إليه. أخيراً، هناك من يجهل تماماً مجرد وجود تدخل أجنبي، بسبب عدم إشارة وسائل الإعلام الرئيسية إليه. هذا الواقع، إضافة إلى تقديس الحراك الذي تحدثنا عنه سالفاً، يقودان إلى اتهام صاحب رأي نقدي بالترويج لنظرية المؤامرة»، يختم بن سعادة.

 

المصدر


Version française