الدور الأمريكي في الانتفاضات العربية
عبدالعظيم حنفى:بقلم
د. عبدالعظيم حنفى
|
ماكينة الانتخابات لهيلاري كلينتون بدأت تعمل منذ الآن لخوض الانتخابات الرئاسية في 2016، حيث تتزايد الكتب التي تطلق العنان لعبارات الإطراء والمديح بحق كلينتون، وما أنجزته علي مدي أربع سنوات علي رأس الخارجية الأمريكية، والحق أن إنجازات كلينتون لا يمكن إنكارها، ومن ذلك حسن استعمالها لنجوميتها للمساهمة في ترميم صورة أمريكا بعد الأضرار التي لحقت بها خلال سنوات بوش، وعودة الاهتمام الأمريكي بآسيا والمحيط الهادي، وغيرها. هذا الاجتهاد والمثابرة أكسبا هيلاري إعجاب واحترام موظفي أوباما الذين كان بعضهم يعتبرها "وحشًا"، علي حد تعبير سامنتا باور، التي تشغل الآن منصب سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، غير أنها كانت حريصة بالقدر نفسه علي تجنب كل ما من شأنه أن يضر بطموحاتها الرئاسية في 2016. ولنأي بنفسها عن إخفاقات إدارة أوباما، وهو ما ظهر في كتابها "خيارات صعبة" الصادر حديثا، ويكاد يجمع المراقبون علي أن ميراث هلاري عبارة عن رؤية متماسكة وسياسات متعثرة! في مناطق عديدة وهي تحاول إلقاء عبء ذلك الفشل علي الاختلافات التي تسود داخل إدارة أوباما وهو اختلاف جيلي بين الكبار وبين الشباب في تلك الإدارة. في كتابها تتحدث كلينتون عن أحداث 25 يناير المصرية، وإنها كانت تفضل الانتقال المنتظم للسلطة وتتحدث عن مباحثاتها مع مبارك ومع الرئيس الإخواني مرسي وتحدثت هيلاري عن صدمتها مما سمعته من مرسي يوما ما إذ تكتب: "في أحد لقاءاتي الأولي مع الرئيس المصري الجديد محمد مرسي سألته" ماذا ستفعل لكي تمنع القاعدة ومتطرفين آخرين من زعزعة استقرار مصر وتحديدا سيناء؟ "كانت إجابته": لماذا سيفعلون ذلك؟ نحن لدينا الآن حكومة إسلامية "وتري هيلاري أن إجابته محيرة" وإذا كان يتوقع تضامنا من الإرهابيين فهو أما كان ساذجا جدا أو شريرا مخيفا "فتبين له هيلاري" لا يهمني ما هي مواقفك. أنهم سوف يطاردونك. وأنت عليك أن تحمي بلدك وحكومتك. "وبالتأكيد هذه اللقطة من هيلاري عن مرسي سوف تثير الكثير من التساؤلات والانتقادات حول ما كان يجري في مصر في عهد الإخوان.
والواقع أن الدور الأمريكي من انتقاضات العالم العربي يثير التساؤلات والشكوك، وهناك كتاب مميز بهذا الصدد معنون "أرابيسك أمريكية: الدور الأمريكي في الثورات العربية" من تأليف الأكاديمي الكندي من أصل جزائري أحمد بن سعادة عن الدور المشبوه الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية من خلال أجهزة مخابراتها وسفاراتها ومؤسساتها ومعاهدها ومنظماتها في تأجيج الشارع العربي بشتي الوسائل. وقد استمد معلوماته من مئات الوثائق المهمة التي توضح دور الولايات المتحدة الأمريكية بمختلف دوائرها ومؤسساتها ومعاهدها البحثية، وفي مقدمتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية - السي آي إيه. كتب المؤلف يقول: "من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن هي التي قامت بهذه الثورات العربية غير أنها هي التي لعبت دورا بارزا في مرافقة وتدريب وتأطير وتمويل أبرز النشطاء السياسيين - سواء في تونس أو في مصر أو في بقية الدول العربية التي شهدت الاضطرابات العربية، علما أن عمليات التدريب والتأطير والتمويل قد بدأت قبل مدة طويلة من اشتعال فتيل الاحتجاجات في الشارع العربي".
يذكر المؤلف أن العديد من الدوائر أو المنظمات الأمريكية هي التي تولت عمليات التكوين والتأطير والتمويل علي مدي أشهر - بل أعوام - وخاصة تلك المؤسسات والمنظمات التي تعني بعملية "تصدير الديمقراطية" مثل "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID "والصندوق الوطني للديمقراطية National Endowment for Democracy ومؤسسة فريدوم هاوس freedom House ومؤسسة Open Society Institute.
وهو يحلل العلاقة ما بين قادة شبكات التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك وجوجل علي وجه الخصوص والإدارة الأمريكية كما أنه تعمق في تحليل الأدوار الخطيرة التي قامت بها هذه الأدوات التواصلية علي الشبكة العنكبوتية، وهو ما مكن الولايات المتحدة الأمريكية من الركوب علي هذه الاضطرابات التي شهدتها الدول العربية حتي تؤثر في مسارها، ولا ترتد عليها علما أنها قد لعبت نفس الدور من قبل في الثورات الملونة التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية.
كتب المؤلف يقول: "لعل ما يدعو إلي الغرابة أن الإعلام الأمريكية لم تكن تحرق في تلك المظاهرات التي اجتاحت المدن والعواصم العربية. فالمنطق يقول إن المتظاهرين يبادرون بإحراق الأعلام العربية تنديدا بالدعم الأمريكي لهذه الأنظمة العربية علي مدي عقود من الزمن".
الكتاب لا يندرج في إطار نظرية المؤامرة الغربية كما أنه لا يسعي للدفاع عن الأنظمة العربية القائمة علي طمس ما قد يتصوره البعض. لذلك فقد حرص علي أن يلتزم أقصي درجة من الموضوعية بالاعتماد علي كم كبير من الوثائق التي تدعم الكلام الذي ورده، والذي يؤكد أن الدوائر الدبلوماسية الأمريكية قد لعبت دورا كبيرا في الخفاء في تحريك الشارع العربي من أجل تحقيق أجندة تتوافق مع المصالح الحيوية الأمريكية.
المصدر: